فصل: بيعة علي رضي الله عنه.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.بيعة علي رضي الله عنه.

لما قتل عثمان اجتمع طلحة والزبير والمهاجرون والأنصار وأتوا عليا يبايعونه فأبى وقال: أكون وزيرا لكم خير من أن أكون أميرا ومن اخترتم رضيته فألحوا عليه وقالوا: لا نعلم أحق منك ولا نختار غيرك حتى غلبوه في ذلك فخرج إلى المسجد وبايعوه وأول من بايعه طلحة ثم الزبير بعد أن خيرهما ويقال إنهما ادعيا الإكراه بعد ذلك بأربعة أشهر وخرجا إلى مكة ثم بايعه الناس وجاؤا بسعد فقال لعلي: حتى تبايعك الناس فقال: اخلوه وجاؤا بابن عمر فقال: كذلك فقال: ائتني بكفيل قال: لا أجده فقال الأشتر: دعني أقتله فقال علي: دعوه أنا كفيله وبايعت الأنصار وتأخر منهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك ومسلمة بن مخلد وأبو سعيد الخدري ومحمد بن مسلمة والنعمان بن بشير وزيد بن ثابت ورافع بن خديج وفضالة بن عبيد وكعب بن عجرة وسلمة بن سلامة بن وقش وتأخر من المهاجرين عبد الله بن سلام وصهيب بن سنان وأسامة بن زيد وقدامة بن مظعون والمغيرة بن شعبة وأما النعمان بن بشير فأخذ أصابع نائلة امرأة عثمان وقميصه الذي قتل فيه ولحق بالشام صريخا.
وقيل إن عثمان لما قتل بقي الغافقي بن حرب أميرا على المدينة خمسة أيام والتمس من يقوم بالأمر فلم يجبه أحد وأتوا إلى علي فامتنع وأتى الكوفيون الزبير والبصريون طلحة فامتنعا ثم بعثوا إلى سعد وابن عمر فامتنعا فبقوا حيارى ورأوا أن رجوعهم إلى الأمصار بغير إمام يوقع في الخلاف والفساد فجمعوا أهل المدينة وقالوا: أنتم أهل الشورى وحكمكم جائز على الأمة فاعقدوا الأمامة ونحن لكم تبع وقد أجلناكم يومين وإن لم تفعلوا قتلنا فلانا وفلانا وغيرهما يشيرون إلى الأكابر فجاء الناس إلى علي فاعتذر وامتنع فخوفوه الله في مراقبة الإسلام فوعدهم إلى الغد ثم جاؤه من الغد وجاء حكيم بن جبلة في البصريين فأحضر الزبير كرها وجاء الأشتر في الكوفيين فأحضر طلحة كذلك وبايعوا لعلي وخرج إلى المسجد وقال: هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أردتم وقد افترقنا الأمس وأنا كاره فأبيتم إلا أن أكون عليكم فقالوا: نحن على ما افترقنا عليه بالأمس فقال لهم: اللهم اشهد! ثم جاؤا بقوم ممن تخلف قالوا نبايع على إقامة كتاب الله ثم بايع العامة وخطب علي وذكر الناس وذلك يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة ورجع إلى بيته فجاءه طلحة والزبير وقالا: قد اشترطنا إقامة الحدود فأقمها على قتلة هذا الرجل فقال: لا قدرة لي على شيء مما تريدون حتى يهدأ الناس وننظر الأمور فتؤخذ الحقوق فافترقوا عنه.
وأكثر بعضهم المقالة في قتلة عثمان وباستناده إلى أربعة في رأيه وبلغه ذلك فخطبهم وذكر فضلهم وحاجتهم إليهم ونظره لهم ثم هرب مروان وبنو أمية ولحقوا بالشام فاشتد على علي منع قريش من الخروج ثم نادى في اليوم الثالث برجوع الأعراب إلى بلادهم فأبوا وتدامرت معهم السبيئه وجاءه طلحة والزبير فقالا: دعنا نأتي البصرة والكوفة فنستنفر الناس فأمهلهما وجاء المغيرة فأشار عليه باستبقاء العمال حتى يستقر الأمر ويستبدلوا بمن شاء فأمهله ورجع من الغد فأشار بمعالجة الاستبدال وجاءه ابن عباس فأخبره بخبر المغيرة فقال: نصحك أمس وغشك اليوم قال: فما الرأي؟ قال: كان الرأي أن تخرج عند قتل الرجال إلى مكة وأما اليوم فإن بني أمية يشبهون على الناس بأن يلجموك طرفا من هذا الأمر ويطلبون ما طلب أهل المدينة في قتلة عثمان فلا يقدرون عليهم والأمر أن تقر معاوية فقال علي رضي الله عنه: والله لا أعطيه إلى السيف فقال له ابن عباس: أنت رجل شجاع لست صاحب رأي في الحرب أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الحرب خدعة قال: بلى! فقال ابن عباس: أما والله إن أطعتني لأتركنهم ينظرون في دبر الأمور ولا يعرفون ما كان وجهها من غير نقصان عليك ولا إثم لك فقال: يا ابن عباس لست من هنياتك ولا هنيات معاوية في شيء فقال ابن عباس: أطعني وألحق بمالك بينبع وأغلق بابك عليك فإن العرب تجول جولة وتضطرب ولا تجد غيرك وإن نهضت مع هؤلاء القوم يحملك الناس دم عثمان غدا فأبى علي وقال: أشر علي وإذا خالفتك أطعني قال: أيسر مالك عندي الطاعة قال: فسر إلى الشان فقد وليتكها قال: إذا يقتلني معاوية بعثمان أو يحبسني فيتحكم علي لقرابتي منك ولكن أكتب إليه وعده فأبى وكان المغيرة يقول نصحته فلم يقبل فغضب ولحق بمكة.
ثم فرق علي العمال على الأمصار فبعث على البصرة عثمان بن حنيف وعلى الكوفة عمارة بن شهاب من المهاجرين وعلى اليمن عبيد الله بن عباس وعلى مصر قيس بن سعد وعلى الشام سهل بن حنيف فمضى عثمان إلى البصرة واختلفوا عليه فأطاعته فرقة وقال آخرون: ما يصنع أهل المدينة فنقتدى بهم ومضى عمارة إلى الكوفة فلما بلغ زبالة لقي طليحة بن خويلد فقال له: ارجع فإن اليوم لا يستبدلون بأبي موسى وإلا ضربت عنقك ومضى ابن عباس إلى اليمن فجمع يعلى بن منية مال الجباية وخرج به إلى مكة ودخل عبيد الله إلى اليمن ومضى قيس بن سعد إلى مصر ولقيه بأيلة خيالة من أهل مصر فقالوا: من أنت؟ قال: قيس بن سعد من فل عثمان أطلب من آوي إليه وأنتصر به ومضى حتى دخل مصر وأظهر أمره فافترقوا عليه فرقة كانت معه وأخرى تربصوا حين يروا فعله في قتلة عثمان ومضى سهل بن حنيف إلى الشام حتى إذا كان بتبوك لقيته خيل فقال لهم: أنا أمير على الشام قالوا إن كان بعثك غير عثمان فارجع فرجع.
فلما رجع وجاءت أخبار الآخرين دعا علي طلحة والزبير وقال قد وقع ما كنت أحذركم فسألوه الإذن في الخروج من المدينة وكتب علي إلى أبي موسى مع معبد الأسلمي فكتب إليه بطاعة أهل الكوفة وببيعتهم ومن الكاره منهم والراضي حتى كأنه يشاهد وكتب إلى معاوية مع سبرة الجهني فلم يجبه إلى ثلاثة أشهر من مقتل عثمان ثم دعا قبيصة من عبس وأعطاه كتابا مختوما عنوانه من معاوية إلى علي وأوصاه بما يقول وأعاده مع رسول علي فقدما في ربيع الأول ودخل العبسي وقد رفع الطومار كما أمره حتى دفعه إلى علي ففضه فلم يجد فيه كتابا فقال للرسول: ما وراءك؟ قال: آمن أنا؟ قال نعم قال تركت قوما لا يرضون إلا بالقود قال: وممن؟ قال منك وتركت ستين ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان منصوبا على منبر دمشق فقال: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان! قد نجا والله وقتلة عثمان إلا أن يشاء الله ثم رده إلى صاحبه وصاحت السبئية اقتلوا هذا الكلب وافد الكلب فنادى يا آل مضر يا لقيس أحلف بالله ليردنها عليكم أربعة آلاف خصي فانظروا كم الفحول والركاب وتقاووا عليه فمنعته مضر ودس أهل المدينة على علي من يأتيهم برأيه في القتال وهو زياد بن حنظلة التميمي وكان منقطعا إليه فجالسه ساعة فقال له علي: سيروا لغزو الشام فقال لعلي: الأناة والرفق أمثل فتمثل يقول:
متى تجمع القلب الذكي وصارما ** وأنفا حميا تجتنبك المظالم

فعلم أن رأيه القتال ثم جاء إلى القوم الذين دسوه فأخبرهم ثم استأذنه طلحة والزبير في العمرة ولحقا بمكة ثم اعتزم على الخروج إلى الشام ودعا أهل المدينة إلى قتالهم وقال: انطلقوا إلى هؤلاء القوم الذين يريدون تفريق جماعتكم لعل الله يصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق وتقضون الذي عليكم.
وأمر الناس بالتجهز إلى الشام ودفع اللواء لمحمد بن الحنفية وولى عبد الله بن عباس ميمنته وعمرو بن سلمة ميسرته ويقال به عمرو بن سفيان بن عبد الأسد وولى أبا ليلى بن عمرو بن الجراح ابن أخي عبيدة مقدمته ولم يول أحدا ممن خرج على عثمان واستخلف على المدينة تمام بن العباس وعلى مكة قثم بن العباس وكتب إلى قيس بن سعد بمصر وعثمان بن حنيف بالبصرة وأبي موسى بالكوفة أن يندبوا الناس إلى الشام وبينما هو على التجهز للشام إذ أتاه الخبر عن أهل مكة بنحو آخر وأنهم على الخلاف فانتقض عن الشام.